Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

التــــونسـي

20 août 2011

بين المدنية والعلمانية



فرق الدكتور عبدالوهاب المسيرى بين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية. ولو كان حيا بيننا لربما أعاد توصيف ما أسماه العلمانية الجزئية لتصبح ما يعنيه البعض اليوم باسم «المدنية» ودون الدخول فى تفاصيل معنى المدنية كما هو معروف فى دول ومجتمعات أخرى، فإن المدنى هو غير السياسى، كقولنا مجتمع «مدنى» أى يهدف إلى خدمة المجتمع دون السعى إلى الوصول إلى السلطة أو التأثر بتحيزاتها مثل منظمة توعوية تهدف إلى تحقيق الصالح العام دون أن تتبع حزبا أو الدولة، أو المدنى أى «غير الدينى» (وليس المضاد للدين) أى الذى يحاول تحقيق أهداف إنسانية عامة بغض النظر عن الاختلافات الطائفية أو الدينية، أو المدنى أى غير العسكرى، الذى يحاول أن يجنب المجتمع القرارات السلطوية والتسلطية القادمة من العسكر.

وهى ترجمات لثلاث كلمات بالانجليزية هى: civil، civic and civilian.
أما العلمانية فهى أعقد كثيرا من التوصيف «مدنى» لأن العلمانية حل لمشكلة مزمنة عاشها الغرب، ولم يعشها المسلمون، وإن كانوا عاشوا تجربة فيها بعض ملامح التجربة الغربية بسبب خروج المسلمين على المنهج وليس لعيب فى المنهج، وإن لم يستدع هذا بالضرورة استنستاخ الحل الأوروبى.

●●●

المشكلة الغربية أن بابوات الكنيسة الكاثوليكية (مثل اربان الثانى، وجريجورى السابع، وانوسنت الثالث) أصدروا أحكاما دينية جعلت حقوق البشر رهنا بقرارات كنسية فى كل أمور الحياة. ومن المؤشرات التى اعتمد عليها الباحثون الغربيون لمعرفة ازدهار أو انحسار حكم الكهنوت (أى حكم الكنيسة) كانت ثلاثة مؤشرات: أولا، هل للكنيسة جيش خاص بها موازٍ أو بديل عن جيش المملكة (الدولة)؟ ثانيا، هل الكنيسة هى التى تسيطر على نظام التقاضى بدءا من وضع القوانين انتهاء بإصدار الأحكام النهائية بين المتخاصمين؟ ثالثا، هل الكنيسة تقوم بفرض ضرائب مستقلة أو بديلة عن الضرائب التى تفرضها المملكة (الدولة)؟

معظم دول أوروبا شهدت هذه السيطرة المهولة للكنيسة، لكن نجحت انجلترا تحديدا فى أن تتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية فى روما. ولكن مع ظهور البروتستانتية فى القرن السادس عشر، ثم الحروب الدينية فى القرن السابع عشر والتى مات بسببها الملايين، تنبه العقل الأوروبى إلى خطر خلط السياسة بالدين على مستويين: مستوى الحروب التى يضيع ضحيتها الآلاف وربما الملايين بسبب قرار من أحد آباء الكنيسة، ومستوى غياب الحريات السياسية وعلى رأسها الحقوق الديمقراطية (حق الأغلبية فى ألا تسمح للأقلية أن تستبد بها)، والحقوق الليبرالية (حق الآخرين، أغلبية أو أقلية، فى ألا تكون حقوقها رهنا بموافقة الأغلبية أو الطبقة المسيطرة اقتصاديا) وما كان لهذه الحقوق أن تمارس على الأرض إلا إذا قبلت الدولة بفكرة «المدنية» كما وردت فى هذا المقال.

أزعم أن مجتمعات المسلمين فى بعض مراحلها شهدت نوعين من الاستبداد السابق، ولم تشهد الثالث (أى استبداد المسجد أو علماء الدين). ذلك أن المسجد أصلا لم يكن تنظيما هيراركيا تراتبيا فى أى مرحلة (مثلما هو الحال بالنسبة للكنيسة)، المسجد فى الإسلام مجرد بناية أو زاوية، بل جُعلت الأرض كلها مسجدا للمسلمين، ومن حق المسلم السنى أن يتخير الفتوى التى يطمئن لها اجتهاده أو فهمه.

أزعم، إذن، أن المسلمين بحاجة للديمقراطية كى تضمن كف بطش الأقلية الحاكمة عن الأغلبية المحكومة من خلال الآليات المتعارف عليها من انتخابات حرة نزيهة دورية تنافسية تحت إشراف قضائى، ورقابة المجتمع المدنى، ومشاهدة المجتمع الدولى (وهذا هو اختراع الديمقراطية). واحتياج المسلمين للديمقراطية ليس لعيب فى الإسلام، ولكن لأن بعض المسلمين لا يرتقون لتعاليم الإسلام، وهذا بدأ منذ عهد الدولة الأموية.

أزعم كذلك أن المسلمين بحاجة لـ«المدنية» أو سمها ضمان حقوق إنسانية مشتركة بغض النظر عن الاختلافات السياسية والدينية وبعيدا عن السيطرة العسكرية على الحياة السياسية.

●●●

وبنفس المعنى، بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية».

ومع ذلك يظل أخيرا، التأكيد على أن المادة الثانية من الدستور لابد أن تبقى، ولكن لابد كذلك من تقييدها بقيدين فى مواد أخرى وهما قيدان من أصل الشريعة أيضا: الأول أنها لا تمنع حقا لغير المسلمين فى ممارسة عقيدتهم أو شعائرهم وفقا لقاعدة «لا إكراه فى الدين»، الثانى، أن الشعارات الدينية (إسلامية أو مسيحية) ليس أداة للدعاية الدينية عملا بقول الحق سبحانه: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».

إن صح هذا، فنحن لسنا بحاجة للعلمانية، وإن كنا قطعا بحاجة للديمقراطية والمدنية بالمعنى الوارد فى هذا المقال. والله أعلم.




معتز بالله عبد الفتاح
أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة.
 
Publicité
Publicité
12 juillet 2011

مصطفى محمود : حكاية العلمانية والمعركة الدائرة




فى أيام العصور الوسطى المظلمة فى أوروبا كانت السلطة السياسية المطلقة فى أيدى البابوات ، و كانت محاكم التفتيش تصدر الأحكام بالسجن والتعذيب والحرق لكل من يقول بشىء يخالف نصوص التوراة والعهد القديم


و بمقتضى تلك القوانين سجن جاليليو حينما قال : إن الأرض ليست مركز الكون وأنها كروية وأنها تدور مع باقى الكواكب حول الشمس .. و كانت تلك الأقوال هرطقة و إفك و إلحاد و مخالفة للنصوص

 المقدسة فى نظر رجال الدين تستوجب أشد العقاب

و قد ظلت أوروبا غارقة فى ظلمات الجهل والتخلف .. واحتاج الأمر إلى ثورة على هذا الطغيان البابوى ، و إلى تحجيم سلطة الكنيسة لينطلق العلم و ينطلق ركب التحرر الفكرى و ليأتى عصر النهضة

وانكمشت البابوية إلى رقعة صغيرة فى الفاتيكان و خضعت أوروبا لمنطق جديد هو .. لندع ما لقيصر لقيصر .. و ما لله لله

و تقلص دور الدين إلى نشاط هامشى لا يبرح الأديرة والكنائس ، واستولى العلم والعقل والدهاء على كل مواقع الدولة

و كان ذلك أول ميلاد لفكرة العلمانية .. و لمبدأ فض الإشتباك بين الدين والعلم و بين الدين والسياسة .. و لم يكن للدين المسيحى ذنب فيما حدث .. و إنما كان ذنب البابوات الذين أساءوا فهمه و تفسيره

 و إلى رجال الدين الذين أخضعوا الدين لأهوائهم و مصالحهم

و مع مولد عصر النهضة فى أوروبا جاء عصر الصناعة وغزو البحار واكتشاف أمريكا وجاءت الرأسمالية والعملقة العسكرية الأوروبية وجيوش الإستعمار التى انطلقت تغزو شرقا وغربا وجنوبا

وفى تلك الأثناء كان المد الإسلامى الذى وصل إلى بوابة أوروبا الغربية فى الأندلس وإلى بوابتها الشرقية القسطنطينية .. كان ذلك المد الهائل قد بدأ يستنفد طاقته .. وبدأت خمرة النصر و سوس الترف

 وأمراض الوفرة والرخاء تأكل أوصاله .. وبدأ يتمزق إلى دول ودويلات وطوائف تقاتل بعضها بعضا

وكانت المواجهة بين العسكرية الأوروبية الفتية وبين الخلافة الإسلامية المريضة المترهلة مواجهة غير متكافئة .. انتهت بسقوط الخلافة وتمزقها تحت أقدام الإستعمار

والباقى نعرفه فقد عاشه أكثرنا ، فنحن كدول شرق أوسطية لم نتحرر من الإستعمار إلا منذ سنوات قليلة

وقد خرج الإستعمار بعد أن خلف جحافل من الغزو الثقافى وجحافل من العملاء ونظما تعليمية متخلفة تخرج الموظفين ، واقتصادا تابعا متطفلا يعيش على القروض والمعونات

وضمن موجات ذلك الغزو الثقافى جاءتنا الوجودية والماركسية والإشتراكية والعرى والإنحلال والفن الهابط ، ومزقتنا الإشتراكية إلى يمين و يسار ، وإلى فرق وطوائف يحارب بعضها بعضا

ثم ماتت الشيوعية بالسكتة وانحسرت الموجة الماركسية عن كل العالم ما عدا بلادنا الإسلامية .. فقد بدل الماركسيون القدامى ثيابهم ولبسوا لنا ثوبا جديدا اسمه العلمانية .. و راحوا يروجون من منابرهم

 ان ما جرى علينا من تخلف كان بسبب الدين واننا نعيش فى محاكم تفتيش إسلامية جديدة سوف ترتد بنا إلى ما يشبه العصور الوسطى فى أوروبا .. وانه لا نجاة لنا إلا بثورة علمانية تخلصنا من هذه

 الرجعية الدينية وتضعنا على عتبة نهضة حقيقية مثلما حدث فى أوروبا أيام طغيان الكنيسة

و نقول لهم : لا مثلية هناك ولا تشابه فى الحالين ، فتخلفنا غير ما كان عليه تخلفهم .. فالإسلام عندنا لا يقف عقبة أمام التكنولوجيا أو الكمبيوتر أو علوم الكهرباء والذرة والإلكترونيات أو الفلك أو علوم الفضاء

ولم يحدث قديما ولا حديثا أن كان هناك تناقضا بين الإسلام والعلم ، ولم يحدث أن اضطهد الحكام المسلمون العلماء أو سجنوهم بسبب نظرية فى الفلك أو مقولة فى الكيمياء ، بل كان العكس هو القاعدة

 ، فقد شجع الحكام المسلمون العلماء وأمر القرآن فى صريح آياته بطلب العلم وبالتفكير وبالنظر فى علوم السماء والأرض

قُلِ انظُروا ماذا فِى السَّمٰوٰتِ وَالأَرضِ 101 - يونس



فَليَنظُرِ الإِنسٰنُ مِمَّ خُلِق 5 - الطارق

أَفَلا يَنظُرونَ إِلَى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت ﴿١٧﴾ وَإِلَى السَّماءِ كَيفَ رُفِعَت ﴿١٨﴾ وَإِلَى الجِبالِ كَيفَ نُصِبَت ﴿١٩﴾ وَإِلَى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت ﴿٢٠﴾

الغاشية 17-20

قُل سيروا فِى الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ العنكبوت - 20

وَقُل رَبِّ زِدنى عِلمًا طه - 114

و لم يكن فى الإسلام كهنوت ولا رجال دين ولا حاكم مقدس يقوم بالوساطة بين الله والناس ولا أحبار لهم سلطة أو ربانية على الخلق .. بل أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم بأن يقول العكس وأن

 يتبرأ من كل حول وطول

قُل لا أَملِكُ لِنَفسى نَفعًا وَلا ضَرًّا إِلّا ما شاءَ اللَّهُ 188 الأعراف

قُل لا أَملِكُ لِنَفسى ضَرًّا وَلا نَفعًا إِلّا ما شاءَ اللَّهُ 49 يونس

قُل ما كُنتُ بِدعًا مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدرى ما يُفعَلُ بى وَلا بِكُم 9 الأحقاف

وهذا هو النبى المعصوم فكيف بمن هم أقل منه .. لا مكان لبابوية العصور الوسطى بيننا .. والذين يسعون إليها هم خوارج على الدين

ولا اشتباك ولا أثر اشتباك بين الدين والعلم ومن ثم لا مبرر ولا ضرورة لعلمانية تدعى فض هذا الاشتباك الذى لا وجود له

والعلمانية التى ظهرت فى البلاد الإسلامية بعد ذلك كانت لضرب الإسلام نفسه لا لنصرة العلم . واليهودى كمال أتاتورك الذى لبس ثوب الإسلام وحكم تركيا .. فرض عليها علمانية كانت فى حقيقتها









 استئصالا للدين من جذوره .. فقد عمد إلى إلغاء الحروف العربية واستبدل بها حروفا لاتينية ومصحفا لاتينيا وأمر بحلق اللحى و
هتك الحجاب ، كما سجن الأئمة وعذبهم وقتلهم

والعلمانية التى يروجون لها الآن هى القناع الجديد الذى يتستر خلفه الشيوعيون القدامى الذين سقطت دولتهم وبارت تجارتهم وأصبحت أفكارهم رموزا للتخلف والجهل

وهم فى بحثهم عن راية جديدة يتجمعون حولها لم يجدوا غير راية العلمانية يضحكون بها على السذج والبسطاء الذين يأخذون كلمة العلمانية على أنها العلم .. وهى غير ذلك فهى مشتقة من العالم (

 بفتح العين واللام ) .. العالم الظاهر بمعنى الدنيا .. فهم أهل الدنيا الذين لا يعملون إلا للدنيا ولا يرون وراء الدنيا شيئا يحسب له أى حساب .. فلا غيب .. ولا آخرة .. ولا شىء

يَعلَمونَ ظٰهِرًا مِنَ الحَيوٰةِ الدُّنيا وَهُم عَنِ الءاخِرَةِ هُم غٰفِلونَ 7 الروم

وأقول لهم : ماذا فعل الحكم العلمانى فى لبنان ، وقد قامت فى ظله حرب طائفية أبادت مئات الألوف ، وماذا فعل فى بنجلاديش بلاد الفقر والمجاعات ؟ وماذا فعل فى صومال ( سياد برى ) العلمانى

 الإشتراكى ؟ وماذا فعل فى مصر ( عبد الناصر ) العلمانية الإشتراكية التى سقطت مهزومة ومنهارة إقتصاديا فى حرب 67 ؟! . بل ماذا تقولون فى الحكم العلمانى فى الهند وفى ظله تهدم المساجد

 وتبنى مكانها المعابد الهندوسية وآخرها مسجد بابرى فى أيوجيا الذى هدمه الهندوس من أجل الإله رام وقتلوا فيه مئات المسلمين .. وماذا تقولون فى الحكومة العلمانية فى بورما التى قتلت وشردت

 ألوفا وملايين من المسلمين .. وماذا تقولون فى الحكم العلمانى الأوروبى فى صربيا الذى يمارس أبشع مجزرة عرفها التاريخ فى مسلمى البوسنة والهرسك

وهل كانت العلمانية إلا ذريعة جديدة لضرب الإسلام

ألم نقرأ لزميل علمانى فى مقال بالأهرام عن الحوادث الأخيرة .. انه لا يوجد إسلام معتدل وإسلام متطرف وإنما هو توزيع أدوار .. متهما بذلك كل ما هو إسلامى فى الحوادث الأخيرة ومقدما بلاغا للنيابة فى

 حق كل مسلم بلا إستثناء، فهم جميعا فى نظره مجرمون ولكنهم يوزعون بينهم الأدوار ، فالبعض يحمل أغصان الزيتون ويدعى السماحة والاعتدال والبعض الآخر يطلع على الناس بالمدافع الرشاشة

والموضة هذه الأيام هى ضرب المسلمين وقتلهم ومطاردتهم فى كل مكان .. من طاجيكستان إلى أذربيجان إلى البوسنة والهرسك إلى كوسوفو إلى ألبانيا إلى بورما إلى الهند وكشمير و سيريلانكا

 والفلبين و نيجيريا وليبيريا مرورا باللاجئين والفارين فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا من مسلمى المغاربة والجزائريين والأسيويين المساكين

ولا أحسبها إلا بداية .. وراءها ما وراءها ، ولا يفهم من هذه المقدمة الطويلة انى أختار الحكم الدينى والحكومة الدينية وأحبذ ولاية الفقيه ونظام الحزب الواحد وأرشح الجماعات الدينية الموجودة كبديل .. فإن

 كل هذا هو الآخر مرفوض تماما ولن يؤدى حتى إلى سيادة القيم الدينية التى نحرص عليها وإنما سيؤدى إلى العكس إلى ألوان أخرى من الديكتاتورية وحكم الفرد وإلى التفسير الإرهابى للنصوص ليصل

 الحاكم إلى مزيد من التحكم وإلى مزيد من السيطرة على العقول والرقاب

وهذا هو مولانا رسول لله يقول عن نفسه فى القرآن

قُل لا أَملِكُ لِنَفسى نَفعًا وَلا ضَرًّا إِلّا ما شاءَ اللَّهُ 188 الأعراف

وفى آية أخرى

وَما أَدرى ما يُفعَلُ بى وَلا بِكُم 9 الأحقاف

وبذلك ينفى عن نفسه أية ربانية .. وبالتالى ومن باب أولى ينفى عن أى حاكم مسلم دعوى الحكم بالحق الإلهى .. كما ينفى عنه العصمة

والإسلام بذلك قطع بأن الحكم فى الإسلام هو حكم بشر يخطئ ويصيب ويراجع ويحاسب وليس حكما دينيا معصوما

والإسلام السياسى كما أفهمه ليس انقلابا ولا اغتصابا للسلطة ، وإنما هو صناعة رأى عام إسلامى مستنير يكون بمثابة علامات طريق للحاكم الموجود .. والحاكم - أى حاكم - يحسب للرأى العام ألف

 حساب لأنه جاء بالتفويض والبيعة والوكالة عن هؤلاء الناس الذين يحكمهم

والهدف من الشريعة فى النهاية هو صلاح أمر الدنيا ، فالله أحل الطيبات وحرم الخبائث . فأهداف التحريم والحل هى مصالح العباد وليس النكال ولا التنكيل ولا التسلط على الناس ، وإنما قضاء مصالحهم

 على أحسن وجه .. والحكم المدنى المتمرس هو دائما أقدر على قضاء هذه المصالح من الحكم الدينى المتزمت المتجمد على حرفية النصوص . فما أكثر ما يلوى الحاكم هذه النصوص ويفسرها على هواه

وما أسهل ما يجد الفقهاء من يعينه على طغيانه .. وقد رأينا فى التاريخ الأموى والعباسى من هذه الأمثلة من الجور والظلم الكثير

والموقع الوسط بين العلمانية الرافضة العدوانية ( مثل علمانية كمال أتاتورك أو علمانية عبد الناصر ) وبين الحكومة الدينية المتشددة ( مثل حكومة الخومينى والملالى فى إيران ) .. هذا الموقع الوسط بين

 الإنحرافين هو الموقع الإسلامى الذى اختاره .. فالإسلام هو الوسط العدل بين جميع المزايدات يمينا ويسارا

والسياسة المصرية كانت دائما تتحرى هذه الوسطية منذ أيام سعد زغلول و حكم الوفد والأحزاب .. واجتهادات السنهورى القانونية فى استلهام الشريعة واجتهادات الشيخ محمد الغزالى والشيخ ياسين

 رشدى والدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور محمد عمارة والدكتور يوسف القرضاوى وخالد محمد خالد كلها علامات مضيئة على طريق هذا الفهم الرحب المستنير لتطبيق الدين دون غلو أو مزايدة

وأكثر الأشكال السياسية المعبرة عن هذا الخط الإسلامى هو الديمقراطية البرلمانية والرياسة المنتخبة والتعددية الحزبية والمعارضة الواعية المستنيرة واستلهام الشريعة فى وضع القوانين

وهو نفس الخط الذى نجتهد فى تشكيله

وفى إطار هذه الوسطية سوف يسير نهر السياسة الحر يحكمه شاطئان من القيم الدينية الراسخة .. وفى حماية هذين الشاطئين لن تطغى تلك الحرية فتفيض وتتحول إلى ليبرالية إباحية منحلة كما

 حدث فى أمريكا وأوروبا .. كما أنها لن تتجمد فى داخل حزب واحد وفى يد ديكتاتور متأله أو قيادة دينية متحجرة تتعامى عن المتغيرات وتجور على مصالح الناس .. كما حدث فى حكم عبد الناصر

 والخومينى

هل نستطيع أن نصل إلى هذه الوسطية المثلى ؟ . أم أنّ تسارع الحوادث وتآمر الأطراف من حولنا واشتعال المزايدات التى تدفع فيها الأيدى الأجنبية ذوات الأعراض والنفوس المريضة ذوات الغل بمسيرتنا

 إلى مهلكها .. لن تدع لنا الفرصة

إن غليان العالم حولنا لا يطمئن

و لكن علينا أن نجتهد صادقين واثقين بالله وهذا كل ما نملك

..........................

..........................
mst
د.مصطفى محمود
من كتاب المؤامرة الكبرى
10 juillet 2011

استغلال الدين.. واستغلال العلمانية

نبيل شبيب

 كلما دار الحديث حول تأسيس حزب إسلامي - كما تجدّد الآن مع ربيع الثورات العربية- انطلق خصوم التيار الإسلامي في حملة متوارثة تحت عنوان: لا ينبغي استغلال الدين لأغراض سياسية!

ما الذي تعنيه هذه العبارة موضوعيا؟.. ما الذي يمكن وصفه بكلمة استغلال؟.. وما هي الأغراض السياسية المقصودة؟.. وأين الحد الفاصل بين عمل سياسي إسلامي لا يستغلّ الدين وفق ذلك الزعم وآخر يستغله؟.. وهل يمارس الآخرون السياسة أو يتطلّعون لتحقيق أغراض سياسية دون ممارسة "الاستغلال" المزعوم؟
إن من الشعارات والعبارات ما يتمثل خطره الأكبر في كونه لا ينطوي على مضمون محدد وليس له تعريف اصطلاحي، ولكن بات لمجرّد كثرة استخدامه يؤدّي مفعوله السلبي الخطير، بما في ذلك دفع الطرف المستهدف إلى موقف "دفاعي" يجعله يقرّ بصورة غير مباشرة على الأقلّ أنّ التهمة الموجهة إليه هي تهمة فعلا.. وإن لم تكن كذلك أصلا!
حملة متوارثة لا أساس لها
لندع جانبا العناوين الكبرى للمناهج المطروحة أو التي يفترض أن تعبّر عن مناهج مطروحة في الساحة السياسية، كالإسلام والعلمانية والاشتراكية والرأسمالية، ولنأخذ مثالين اثنين فقط، يستندان إلى المضامين وليس إلى شعارات ومقولات وعناوين تعميمية:
المثال الأول:
إذا دعا صاحب الاتجاه الإسلامي، في كتاب، أو حزب، أو جماعة، أو في أي قالب آخر، إلى العدالة، في الحكم والتشريع والعلاقات بين أطراف المجتمع الواحد.. فالمفروض أنه لا ضير في ذلك، وسواه يدعو إلى مثله عموما، ولكن هل يمكن القول إنه يستغل الدين لأغراض سياسية إذا أضاف معلّلا دعوته، إنّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُواۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ﴿المائدة: ٨﴾، ويقول تعالى: "إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِۚ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" ﴿النساء: ٥٨﴾.
أو يمكن السؤال مقابل ذلك: إذا دعا يساري شيوعيّ أو علماني حداثيّ للعدل، واستشهد بكلمات قالها ماركس أو لينين أو روسّو أو فولتيير..  فهل في ذلك استغلال للفلسفة وأهلها لأغراض سياسية؟
المثال الثاني:
إذا استخرج صاحب الاتجاه الإسلامي من تعاليم الإسلام، جملة من الأطروحات، فجعل منها منهجا أو برنامجا سياسيا للحكم، وتبنّى ذلك في حزب شكّله، وأعلن أنه يريد الوصول بحزبه عبر أصوات الشعب في اقتراع نزيه حرّ، للسلطة، من أجل أن يطبّق ذلك المنهج، و"روّج" لحزبه ومنهج حزبه الإسلامي بقوله مثلا، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع أهل المدينة من مسلمين وغير مسلمين على وثيقة تضمن حقوقهم جميعا، وقد تراضوا عليها، وهذا ما نريد تجديده في قطرنا هذا في عالمنا المعاصر هذا.. ففي تلك الوثيقة ما لا يختلف اختلافا يذكر عمّا يعرف بالدولة المدنية أو المجتمع المدني، إلا في أنّ مرجعيتنا إسلامية وللآخرين في الأحزاب المتنافسة على أصوات الشعب مرجعيات أخرى.. فهل في قوله هذا "استغلال للدين" لأغراض سياسية، تشمل فيما تشمل الوصول للسلطة لتطبيق رؤية سياسية؟
أوليس ما تصنعه أحزاب أخرى وفق مرجعياتها متطابقا مع ذلك إلا في أنّها تستند إلى مرجعيات فلسفية ما، وتعتقد مع افتراض حسن النوايا أنّها تكسب أصوات الشعب من خلال ذلك؟.. فعلام لا يوصف صنيعها باستغلال تلك الرؤى المرجعية لأغراض سياسية؟
إن الحملة المتوارثة تحت عنوان "استغلال الدين لأغراض سياسية" حملة تستغلّ السياسة لأغراض إقصائية، لا أكثر ولا أقلّ، ومن يمارس الإقصاء لأي طرف آخر، جدير بالإدانة والرفض.. وهذا ما يقول به العلمانيون نظريا، والمفروض أن يطبّقوه على أنفسهم في التعامل مع الآخر، وليس على الآخر وهم يتعاملون مع أنفسهم فقط.
مطيّة للسلطة الاستبدادية
يتبع لما سبق مقولة أخرى، انتشرت على سبيل الاتهام التعميمي، دون مضمون موضوعي، بل يمكن القول إنّ من يطلقون هذه المقولة ويستهدفون بها التيار السياسي الإسلامي، إذا نظروا في التاريخ القريب والبعيد، وجدوا ما لا يُحصى من الشواهد على أنّها تسري -بالأسلوب التعميمي ذاته- على ما يتبنّون هم من مناهج ومرجعيات.
لم يتحدّث ماركس ولينين عن "حكم استبدادي" في نظرياتهما الفكرية الشيوعية.. بغض النظر عن تقويمها هنا، ولكن لم يقم حكم شيوعي إطلاقا إلا على أساس استبداد الحزب الواحد، وأحيانا استبداد قياداته به وفي المجتمع. ولم يتحدّث آدم سميث وأمثاله عن "حكم استبدادي مالي" فينظرياتهم الاقتصادية.. بغض النظزر عن تقويمها هنا، ولكن من أشدّ ما تشكو منه المنظومة الرأسمالية المعاصرة أن سيطرة "القوى المالية" على "القوى السياسية" بلغت درجة التغوّل الخطير بواقعه ونتائجه، وهو ما لا يقف عند حدود قطرية بل ينتشر تأثيره المعولم عالميا.
كان أوائل من طرح ما حمل لاحقا عنوان العلمانية يطرحون رؤاهم وأفكارهم على أساس تحرير الإنسان من التسلّط الاستبدادي الذي عاصروه أو عرفوه من التاريخ، ومع ذك لا يمكن القول إن من تبنّى عنوان العلمانية في مصر مثلا لا سيما مع مقولة السادات "لا سياسة في الدين" أو في سورية منذ وصول البعث إلى السلطة، ثم اختزاله في "حكم العائلة".. لا يمكن القول إنه أقام شيئا آخر سوى حكم استبدادي محض، فحكم قمعي دموي، مع العجز عن تحقيق تقدّم أو تطوّر أو استقلال حقيقي كالذي حققته دول علمانية غربية، وهي ذاتها -دون التفصيل في الأوضاع الداخلية- القوى المهيمنة التي تمارس الاستبداد على صعيد العلاقات الدولية.
هل اتخذ العلمانيون من العلمانية إذن مطية للاستبداد عبر السلطة؟
قد يكون تثبيت ذلك بحكم التجارب العديدة عالميا وقطريا هو الأقرب ألف مرة من تثبيت من يطلق تهمة "مطية للسلطة الاستبدادية" مستهدفا بها التيار الإسلامي تخصيصا، رغم "ندرة" ما يمكن الاعتماد عليه تأويلا من تجارب تاريخية أو معاصرة.
إن كثيرا من المنتسبين إلى التيار العلماني في المنطقة الإسلامية مارسوا -قبل ربيع الثورات العربية- أسلوب الإقصاء الاستبدادي تجاه التيار الإسلامي، عبر هذه المقولة وسواها، وذلك من قبل الوصول إلى السلطة، مثلما مارسه من وصل إلى السلطة متبنّيا العلمانية.. فهل يمكن الاعتماد على قول كثير من العلمانيين من خارج السلطة الآن، في ربيع الثورات العربية، أو على قول كثير من الإسلاميين بالمقابل، إنّهم لن يمارسوا الإقصاء الاستبدادي، فيما لو اختارتهم الغالبية الشعبية فوصلوا إلى السلطة فعلا؟!
كل طرف يصدّق نفسه.. وهذا من حقه. ولكن من حق الشعب أن يختار من يراه جديرا بثقته فيصدّقه، وذاك ما يعنيه الاحتكام للإرادة الشعبية، فمن يعتقلها داخل جدران مرجعيته، يمارس الاستبداد والإقصاء من قبل وصوله إلى السلطة، وهو بذلك الأقرب ألف مرة إلى ممارسة الاستبداد والإقصاء فيما لو وصل إليها فعلا.
nb

 المصدر
8 juillet 2011

التــــونسـي

toun

Publicité
Publicité
التــــونسـي
Publicité
Visiteurs
Depuis la création 128
Archives
Publicité