Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
التــــونسـي
10 juillet 2011

استغلال الدين.. واستغلال العلمانية

نبيل شبيب

 كلما دار الحديث حول تأسيس حزب إسلامي - كما تجدّد الآن مع ربيع الثورات العربية- انطلق خصوم التيار الإسلامي في حملة متوارثة تحت عنوان: لا ينبغي استغلال الدين لأغراض سياسية!

ما الذي تعنيه هذه العبارة موضوعيا؟.. ما الذي يمكن وصفه بكلمة استغلال؟.. وما هي الأغراض السياسية المقصودة؟.. وأين الحد الفاصل بين عمل سياسي إسلامي لا يستغلّ الدين وفق ذلك الزعم وآخر يستغله؟.. وهل يمارس الآخرون السياسة أو يتطلّعون لتحقيق أغراض سياسية دون ممارسة "الاستغلال" المزعوم؟
إن من الشعارات والعبارات ما يتمثل خطره الأكبر في كونه لا ينطوي على مضمون محدد وليس له تعريف اصطلاحي، ولكن بات لمجرّد كثرة استخدامه يؤدّي مفعوله السلبي الخطير، بما في ذلك دفع الطرف المستهدف إلى موقف "دفاعي" يجعله يقرّ بصورة غير مباشرة على الأقلّ أنّ التهمة الموجهة إليه هي تهمة فعلا.. وإن لم تكن كذلك أصلا!
حملة متوارثة لا أساس لها
لندع جانبا العناوين الكبرى للمناهج المطروحة أو التي يفترض أن تعبّر عن مناهج مطروحة في الساحة السياسية، كالإسلام والعلمانية والاشتراكية والرأسمالية، ولنأخذ مثالين اثنين فقط، يستندان إلى المضامين وليس إلى شعارات ومقولات وعناوين تعميمية:
المثال الأول:
إذا دعا صاحب الاتجاه الإسلامي، في كتاب، أو حزب، أو جماعة، أو في أي قالب آخر، إلى العدالة، في الحكم والتشريع والعلاقات بين أطراف المجتمع الواحد.. فالمفروض أنه لا ضير في ذلك، وسواه يدعو إلى مثله عموما، ولكن هل يمكن القول إنه يستغل الدين لأغراض سياسية إذا أضاف معلّلا دعوته، إنّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُواۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ﴿المائدة: ٨﴾، ويقول تعالى: "إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِۚ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" ﴿النساء: ٥٨﴾.
أو يمكن السؤال مقابل ذلك: إذا دعا يساري شيوعيّ أو علماني حداثيّ للعدل، واستشهد بكلمات قالها ماركس أو لينين أو روسّو أو فولتيير..  فهل في ذلك استغلال للفلسفة وأهلها لأغراض سياسية؟
المثال الثاني:
إذا استخرج صاحب الاتجاه الإسلامي من تعاليم الإسلام، جملة من الأطروحات، فجعل منها منهجا أو برنامجا سياسيا للحكم، وتبنّى ذلك في حزب شكّله، وأعلن أنه يريد الوصول بحزبه عبر أصوات الشعب في اقتراع نزيه حرّ، للسلطة، من أجل أن يطبّق ذلك المنهج، و"روّج" لحزبه ومنهج حزبه الإسلامي بقوله مثلا، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع أهل المدينة من مسلمين وغير مسلمين على وثيقة تضمن حقوقهم جميعا، وقد تراضوا عليها، وهذا ما نريد تجديده في قطرنا هذا في عالمنا المعاصر هذا.. ففي تلك الوثيقة ما لا يختلف اختلافا يذكر عمّا يعرف بالدولة المدنية أو المجتمع المدني، إلا في أنّ مرجعيتنا إسلامية وللآخرين في الأحزاب المتنافسة على أصوات الشعب مرجعيات أخرى.. فهل في قوله هذا "استغلال للدين" لأغراض سياسية، تشمل فيما تشمل الوصول للسلطة لتطبيق رؤية سياسية؟
أوليس ما تصنعه أحزاب أخرى وفق مرجعياتها متطابقا مع ذلك إلا في أنّها تستند إلى مرجعيات فلسفية ما، وتعتقد مع افتراض حسن النوايا أنّها تكسب أصوات الشعب من خلال ذلك؟.. فعلام لا يوصف صنيعها باستغلال تلك الرؤى المرجعية لأغراض سياسية؟
إن الحملة المتوارثة تحت عنوان "استغلال الدين لأغراض سياسية" حملة تستغلّ السياسة لأغراض إقصائية، لا أكثر ولا أقلّ، ومن يمارس الإقصاء لأي طرف آخر، جدير بالإدانة والرفض.. وهذا ما يقول به العلمانيون نظريا، والمفروض أن يطبّقوه على أنفسهم في التعامل مع الآخر، وليس على الآخر وهم يتعاملون مع أنفسهم فقط.
مطيّة للسلطة الاستبدادية
يتبع لما سبق مقولة أخرى، انتشرت على سبيل الاتهام التعميمي، دون مضمون موضوعي، بل يمكن القول إنّ من يطلقون هذه المقولة ويستهدفون بها التيار السياسي الإسلامي، إذا نظروا في التاريخ القريب والبعيد، وجدوا ما لا يُحصى من الشواهد على أنّها تسري -بالأسلوب التعميمي ذاته- على ما يتبنّون هم من مناهج ومرجعيات.
لم يتحدّث ماركس ولينين عن "حكم استبدادي" في نظرياتهما الفكرية الشيوعية.. بغض النظر عن تقويمها هنا، ولكن لم يقم حكم شيوعي إطلاقا إلا على أساس استبداد الحزب الواحد، وأحيانا استبداد قياداته به وفي المجتمع. ولم يتحدّث آدم سميث وأمثاله عن "حكم استبدادي مالي" فينظرياتهم الاقتصادية.. بغض النظزر عن تقويمها هنا، ولكن من أشدّ ما تشكو منه المنظومة الرأسمالية المعاصرة أن سيطرة "القوى المالية" على "القوى السياسية" بلغت درجة التغوّل الخطير بواقعه ونتائجه، وهو ما لا يقف عند حدود قطرية بل ينتشر تأثيره المعولم عالميا.
كان أوائل من طرح ما حمل لاحقا عنوان العلمانية يطرحون رؤاهم وأفكارهم على أساس تحرير الإنسان من التسلّط الاستبدادي الذي عاصروه أو عرفوه من التاريخ، ومع ذك لا يمكن القول إن من تبنّى عنوان العلمانية في مصر مثلا لا سيما مع مقولة السادات "لا سياسة في الدين" أو في سورية منذ وصول البعث إلى السلطة، ثم اختزاله في "حكم العائلة".. لا يمكن القول إنه أقام شيئا آخر سوى حكم استبدادي محض، فحكم قمعي دموي، مع العجز عن تحقيق تقدّم أو تطوّر أو استقلال حقيقي كالذي حققته دول علمانية غربية، وهي ذاتها -دون التفصيل في الأوضاع الداخلية- القوى المهيمنة التي تمارس الاستبداد على صعيد العلاقات الدولية.
هل اتخذ العلمانيون من العلمانية إذن مطية للاستبداد عبر السلطة؟
قد يكون تثبيت ذلك بحكم التجارب العديدة عالميا وقطريا هو الأقرب ألف مرة من تثبيت من يطلق تهمة "مطية للسلطة الاستبدادية" مستهدفا بها التيار الإسلامي تخصيصا، رغم "ندرة" ما يمكن الاعتماد عليه تأويلا من تجارب تاريخية أو معاصرة.
إن كثيرا من المنتسبين إلى التيار العلماني في المنطقة الإسلامية مارسوا -قبل ربيع الثورات العربية- أسلوب الإقصاء الاستبدادي تجاه التيار الإسلامي، عبر هذه المقولة وسواها، وذلك من قبل الوصول إلى السلطة، مثلما مارسه من وصل إلى السلطة متبنّيا العلمانية.. فهل يمكن الاعتماد على قول كثير من العلمانيين من خارج السلطة الآن، في ربيع الثورات العربية، أو على قول كثير من الإسلاميين بالمقابل، إنّهم لن يمارسوا الإقصاء الاستبدادي، فيما لو اختارتهم الغالبية الشعبية فوصلوا إلى السلطة فعلا؟!
كل طرف يصدّق نفسه.. وهذا من حقه. ولكن من حق الشعب أن يختار من يراه جديرا بثقته فيصدّقه، وذاك ما يعنيه الاحتكام للإرادة الشعبية، فمن يعتقلها داخل جدران مرجعيته، يمارس الاستبداد والإقصاء من قبل وصوله إلى السلطة، وهو بذلك الأقرب ألف مرة إلى ممارسة الاستبداد والإقصاء فيما لو وصل إليها فعلا.
nb

 المصدر
Publicité
Publicité
Commentaires
التــــونسـي
Publicité
Visiteurs
Depuis la création 128
Archives
Publicité